الكاتب: مبارك اغميس

صنّفت منظمة اليونسكو العيطة الشرادية كتراث إنساني لا مادي، في اعتراف عالمي بأهمية هذا الفن الشعبي الأصيل وضرورة حمايته من الاندثار. وتدعو المنظمة باستمرار إلى حفظ مثل هذه التعابير الفنية التي تعكس عمق الهوية الثقافية للشعوب وتاريخها الشفهي.

تُعتبر العيطة الشرادية جزءاً حياً من الذاكرة الجماعية لسكان منطقة الغرب، وخاصة إقليم سيدي قاسم، حيث نشأت وتطورت عبر أجيال تناقلت تقنياتها وأساليبها عن طريق السماع والممارسة. ويعتمد هذا اللون الغنائي، كغيره من أنواع “العيط”، على التناقل الشفهي، ما يجعله عرضة للضياع في غياب التوثيق والدعم المؤسساتي.

بالنسبة لنساء المنطقة، تمثل العيطة الشرادية وسيلة للتعبير والترفيه، تطغى عليها أجواء الفرح والحب والمشاركة الجماعية. فهي ليست فقط فناً للغناء، بل طقساً اجتماعياً يجسد العلاقة بين الإنسان وبيئته، ويعكس تجربة إنسانية مليئة بالعواطف والبساطة.

من الناحية الموسيقية، تعتمد العيطة الشرادية على ثلاثة مقامات أساسية: العجم، النهوند، والرصد. لكنها لا توظف المقام بالكامل، بل تُستخلص ثلاث نُوَطات فقط لتكوين اللحن، الذي يُؤدّى غالباً في مقام واحد بتحولات بسيطة. الإيقاع المُعتمد هو 12/8، وهو إيقاع بسيط لا يتطلب بالضرورة مرافقة آلات موسيقية، إذ يكتفى أحياناً بالتصفيق اليدوي في التجمعات الصغيرة. أما في الأداءات الأكبر، فتُستعمل آلات إيقاعية تقليدية مثل التعريجة، البندير، والدعدوع.

تعتمد العيطة الشرادية على نوعين فقط من أشعار العيطة، أبرزها البروال، وهو نمط شعري بسيط في لغته ومأخوذ من الكلام اليومي المغربي، خاصة لدى النساء الفلاحات. يتميز هذا الشعر بتكرار إيقاعي يبدأ ببطء ثم يتسارع، ويعكس مواضيع مستمدة من الواقع الاجتماعي، خاصة من حياة المرأة القروية الكادحة في الغرب.

واليوم، تجد العيطة الشرادية نفسها أمام تحدي الاستمرارية، في ظل غياب مشاريع فعلية للتوثيق والحماية. إنقاذ هذا التراث الغني يتطلب جهداً جماعياً من الباحثين والمؤسسات الثقافية والمجتمع المدني، بهدف حفظ ما تبقى منه، وإعادة الاعتبار لفنٍّ لطالما كان مرآة لروح المجتمع المغربي الأصيل.